Monday, October 13, 2008

شرح مبسط جداً لأزمة المال الأمريكية


* ‏نقلا عن جريدة "الاقتصادية" السعودية:


يعيش "‏سعيد أبو الحزن" مع عائلته في شقة مستأجرة وراتبه ينتهي دائما قبل نهاية ‏الشهر. حلم سعيد أن يمتلك بيتاً في "أمرستان"، ويتخلص من الشقة التي ‏يستأجرها بمبلغ 700 دولار شهرياً.


ذات يوم فوجئ سعيد بأن زميله في العمل، ‏نبهان السَهيان، اشترى بيتاً بالتقسيط. ما فاجأ سعيد هو أن راتبه الشهري ‏هو راتب نبهان نفسه، وكلاهما لا يمكنهما بأي شكل من الأشكال شراء سيارة ‏مستعملة بالتقسيط، فكيف ببيت؟ لم يستطع سعيد أن يكتم مفاجأته فصارح نبهان ‏بالأمر، فأخبره نبهان أنه يمكنه هو أيضاً أن يشتري بيتا مثله، وأعطاه رقم ‏تلفون المكتب العقاري الذي اشترى البيت عن طريقه.‏لم ‏يصدق سعيد كلام نبهان، لكن رغبته في تملك بيت حرمته النوم تلك الليلة، ‏وكان أول ما قام به في اليوم التالي هو الاتصال بالمكتب العقاري للتأكد من ‏كلام نبهان، ففوجئ بالاهتمام الشديد، وبإصرار الموظفة "سهام نصابين" على ‏أن يقوم هو وزوجته بزيارة المكتب بأسرع وقت ممكن.


وشرحت سهام لسعيد أنه لا ‏يمكنه الحصول على أي قرض من أي بنك بسبب انخفاض راتبه من جهة، ولأنه لا ‏يملك من متاع الدنيا شيئا ليرهنه من جهة أخرى. ولكنها ستساعده على الحصول ‏على قرض، ولكن بمعدلات فائدة عالية. ولأن سهام تحب مساعدة "العمال ‏والكادحين" أمثال سعيد فإنها ستساعده أكثر عن طريق تخفيض أسعار الفائدة في ‏الفترة الأولى حتى "يقف سعيد على رجليه".


كل هذه التفاصيل لم تكن مهمة ‏لسعيد. المهم ألا تتجاوز الدفعات 700 دولار شهريا.‏باختصار، ‏اشترى سعيد بيتاً في شارع "البؤساء" دفعاته الشهرية تساوي ما كان يدفعه ‏إيجاراً للشقة. كان سعيد يرقص فرحاً عندما يتحدث عن هذا الحدث العظيم في ‏حياته: فكل دفعة شهرية تعني أنه يتملك جزءا من البيت، وهذه الدفعة هي التي ‏كان يدفعها إيجارا في الماضي. أما البنك، "بنك التسليف الشعبي"، فقد وافق ‏على إعطائه أسعار فائدة منخفضة، دعما منه "لحصول كل مواطن على بيت"، وهي ‏العبارة التي ذكرها رئيس البلد، نايم بن صاحي، في خطابه السنوي في مجلس ‏رؤساء العشائر.‏


مع استمرار أسعار البيوت في ‏الارتفاع، ازدادت فرحة سعيد، فسعر بيته الآن أعلى من الثمن الذي دفعه، ‏ويمكنه الآن بيع البيت وتحقيق أرباح مجزية. وتأكد سعيد من هذا عندما اتصل ‏ابن عمه سحلول ليخبره بأنه نظرا لارتفاع قيمة بيته بمقدار عشرة آلاف دولار ‏فقد استطاع الحصول على قرض قدره 30 ألف دولار من البنك مقابل رهن جزء من ‏البيت. وأخبره أنه سينفق المبلغ على الإجازة التي كان يحلم بها في جزر ‏الواق واق، وسيجري بعض التصليحات في البيت. أما الباقي فإنه سيستخدمه ‏كدفعة أولية لشراء سيارة جديدة.‏


القانون لا يحمي المغفلين إلا أن صاحبنا سعيد أبو الحزن ‏وزميله نبهان السهيان لم يقرآ العقد والكلام الصغير المطبوع في أسفل ‏الصفحات. فهناك فقرة تقول إن أسعار الفائدة متغيرة وليست ثابتة. هذه ‏الأسعار تكون منخفضة في البداية ثم ترتفع مع الزمن.


وهناك فقرة تقول إن ‏أسعار الفائدة سترتفع كلما رفع البنك المركزي أسعار الفائدة. وهناك فقرة ‏أخرى تقول إنه إذا تأخر عن دفع أي دفعة فإن أسعار الفائدة تتضاعف بنحو ‏ثلاث مرات. والأهم من ذلك فقرة أخرى تقول إن المدفوعات الشهرية خلال ‏السنوات الثلاث الأولى تذهب كلها لسداد الفوائد. هذا يعني أن المدفوعات لا ‏تذهب إلى ملكية جزء من البيت، إلا بعد مرور ثلاث سنوات.


‏بعد ‏أشهر رفع البنك المركزي أسعار الفائدة فارتفعت الدفعات الشهرية ثم ارتفعت ‏مرة أخرى بعد مرور عام كما نص العقد. وعندما وصل المبلغ إلى 950 دولاراً ‏تأخر سعيد في دفع الدفعة الشهرية، فارتفعت الدفعات مباشرة إلى 1200 دولار ‏شهريا. ولأنه لا يستطيع دفعها تراكمت عقوبات إضافية وفوائد على التأخير ‏وأصبح سعيد بين خيارين، إما إطعام عائلته وإما دفع الدفعات الشهرية، ‏فاختار الأول، وتوقف عن الدفع.


في العمل اكتشف سعيد أن زميله نبهان قد طرد ‏من بيته وعاد ليعيش مع أمه مؤقتا، واكتشف أيضاً أن قصته هي قصة عديد من ‏زملائه فقرر أن يبقى في البيت حتى تأتي الشرطة بأمر الإخلاء.


مئات الألوف ‏من "أمرستان" عانوا المشكلة نفسها، التي أدت في النهاية إلى انهيار أسواق ‏العقار.‏أرباح ‏البنك الذي قدم قرضا لسعيد يجب أن تقتصر على صافي الفوائد التي يحققها من ‏هذا القرض، ولكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد. قام البنك ببيع القرض على ‏شكل سندات لمستثمرين، بعضهم من دول الخليج، وأخذ عمولة ورسوم خدمات منهم. ‏هذا يعني أن البنك كسب كل ما يمكن أن يحصل عليه من عمولات وحول المخاطرة ‏إلى المستثمرين.


المستثمرون الآن يملكون سندات مدعومة بعقارات، ويحصلون ‏على عوائد مصدرها مدفوعات سعيد ونبهان الشهرية. هذا يعني أنه لو أفلس سعيد ‏أو نبهان فإنه يمكن أخذ البيت وبيعه لدعم السندات. ولكن هؤلاء المستثمرين ‏رهنوا هذه السندات، على اعتبار أنها أصول، مقابل ديون جديدة للاستثمار في ‏شراء مزيد من السندات.‏نعم، ‏استخدموا ديونا للحصول على مزيد من الديون!


المشكلة أن البنوك تساهلت ‏كثيرا في الأمر لدرجة أنه يمكن استدانة 30 ضعف كمية الرهن. باختصار، سعيد ‏يعتقد أن البيت بيته، والبنك يرى أن البيت ملكه أيضاً. المستثمرون يرون أن ‏البيت نفسه ملكهم هم لأنهم يملكون السندات. وبما أنهم رهنوا السندات، فإن ‏البنك الذي قدم لهم القروض،


بنك "عماير جبل الجن"، يعتقد أن هناك بيتا في ‏مكان ما يغطي قيمة هذه السندات، إلا أن كمية الديون تبلغ نحو 30 ضعف قيمة ‏البيت!‏أما ‏سحلول، ابن عم سعيد، فقد أنفق جزءا من القرض على إجازته وإصلاح بيته، ثم ‏حصل على سيارة جديدة عن طريق وضع دفعة أولية قدرها ألفا دولار، وقام بنك "‏فار سيتي" بتمويل الباقي. قام البنك بتحويل الدين إلى سندات وباعها إلى ‏بنك استثماري اسمه "لا لي ولا لغيري"، الذي احتفظ بجزء منها، وقام ببيع ‏الباقي إلى صناديق تحوط وصناديق سيادية في أنحاء العالم كافة.


سحلول يعتقد ‏أنه يمتلك السيارة، وبنك "فار سيتي" يعتقد أنه يملك السيارة، وبنك "لالي ‏ولا لغيري" يعتقد أنه يمتلك السيارة، والمستثمرون يعتقدون أنهم يملكون ‏سندات لها قيمة لأن هناك سيارة في مكان ما تدعمها. المشكلة أن كل هذا حصل ‏بسبب ارتفاع قيمة بيت سحلول، وللقارئ أن يتصور ما يمكن أن يحصل عندما ‏تنخفض قيمة البيت، ويطرد سحلول من عمله!‏ القصة لم تنته بعد!‏بما أن قيمة السندات السوقية ‏وعوائدها تعتمد على تقييم شركات التقييم هذه السندات بناء على قدرة ‏المديون على الوفاء، وبما أنه ليس كل من اشترى البيوت له القدرة نفسها على ‏الوفاء، فإنه ليست كل السندات سواسية. فالسندات التي تم التأكد من أن قدرة ‏الوفاء فيها ستكون فيها أكيدة ستكسب تقدير "أأأ"، وهناك سندات أخرى ستحصل ‏على "ب" وبعضها سيصنف على أنه لا قيمة له بسبب العجز عن الوفاء.


لتلافي ‏هذه المشكلة قامت البنوك بتعزيز مراكز السندات عن طريق اختراع طرق جديدة ‏للتأمين بحيث يقوم حامل السند بدفع رسوم تأمين شهرية كي تضمن له شركة ‏التأمين سداد قيمة السند إذا أفلس البنك أو صاحب البيت، الأمر الذي شجع ‏المستثمرين في أنحاء العالم كافة على اقتناء مزيد من هذه السندات. وهكذا ‏أصبح سعيد ونبهان وسحلول أبطال الاقتصاد العالمي الذي تغنى به الكاتب "‏توماس فريدمان".‏


في ‏النهاية، توقف سعيد عن سداد الأقساط، وكذلك فعل نبهان وسحلول وغيرهم، ‏ففقدت السندات قيمتها، وأفلست البنوك الاستثمارية وصناديق الاستثمار ‏المختلفة. أما الذين اشتروا تأمينا على سنداتهم فإنهم حصلوا على قيمتها ‏كاملة، فنتج عن ذلك إفلاس شركة التأمين "أي آي جي".


عمليات الإفلاس أجبرت ‏البنوك على تخفيف المخاطر عن طريق التخفيض من عمليات الإقراض، الأمر الذي ‏أثر في كثير من الشركات الصناعية وغيرها التي تحتاج إلى سيولة لإتمام ‏عملياتها اليومية، وبدأت بوادر الكساد الكبير بالظهور، الأمر الذي أجبر ‏حكومة أمرستان على زيادة السيولة عن طريق ضخ كميات هائلة لإنعاش الاقتصاد ‏الذي بدأ يترنح تحت ضغط الديون للاستثمار في الديون! أما "توماس فريدمان" ‏فقد قرر أن يكسب مزيدا من الملايين حيث سينتهي من كتابة قصة سعيد أبو ‏الحزن عما قريب.

3 comments:

شيمـــــاء said...

يعجبنى فيكى ثقافتك فى جميع المجالات
:)

Rosa said...

ربنا يخليكي يا شوشو كلامك دا أعتز به

Rosa said...

ايه دا يا شوشو انتي قفلتي مدونتك و خلتيها بدعوة؟ طيب فين دعوتي؟؟؟ و لا مش عايزاني أزورك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟